لماذا تغيب الثقة عن الأحزاب السياسية في المغرب؟

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في الثامن من سبتمبر (أيلول) المقبل، يعود إلى الواجهة الحديث عن معاناة الأحزاب المغربية في استمالة الناخبين بسبب التراجع الكبير لمنسوب الثقة في تلك المؤسسات السياسية، وذلك بسبب اعتماد جانب منها بعض التوجهات السلبية، بالإضافة إلى الصورة النمطية التي أصبحت تلتصق بالسياسي المغربي، بسبب توالي قضايا الفساد.

إحصاءات

ويؤكد تراجع الثقة في الأحزاب بالمغرب تدني نسب التصويت في الانتخابات، حيث لم تتجاوز تلك النسبة خلال الانتخابات التشريعية لعام 2016، 43 في المئة، وبلغت في انتخابات عام 2011، 45 في المئة، في وقت لم تتجاوز نسبة المشاركة في انتخابات عام 2007، 34 في المئة، وهي أدنى نسبة في تاريخ المغرب.

وأشارت دراسة لمعهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية، أقيمت في بداية العام الحالي، إلى أن 60 في المئة من المغاربة الذين استطلعت آراؤهم لا يثقون في الأحزاب السياسية، ووصلت نسبة الواثقين بها 5.11 في المئة، وأكد 26.6 في المئة منهم أن لديهم ثقة غير تامة بالأحزاب، من جانب آخر، أكد 42.2 في المئة من المستجوبين درايتهم التامة بالأحزاب وبرامجها وتوجهاتها، وأشار 22.3 في المئة منهم أن لهم دراية متوسطة، في حين صرح 10.3 في المئة منهم أنهم لا يتوفرون على أي معلومات عن الأحزاب.

تصريحات قاسية

وأثارت تصريحات محافظ البنك المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري خلال ندوة صحافية، حفيظة بعض الأحزاب، إذ أكد أن الناس ما عادوا يثقون بالأحزاب، وأن العزوف عن الانتخابات يطرح نفسه، معتبراً أن المشكل الأساس هو مشكل ثقة ليس في السياسيين فقط، ولكن حتى في من ينتمي للقطاع العام.

من جانبها، عبرت بعض الأحزاب عن اعتراضها على تصريح الجواهري، واعتبر حزب “التجمع الوطني للأحرار” المشارك في الائتلاف الحكومي أن تلك التصريحات “تسيء إلى الأحزاب السياسية، وتهين الفاعلين السياسيين وتقوض البناء المؤسساتي للمملكة، وتضرب في العمق الخيار الديمقراطي”، مشيراً إلى أن لتلك التصريحات تأثيراً سلبياً مباشراً وعميقاً في تقويض منسوب الثقة في الأحزاب، وتقوية العزوف الانتخابي وتداعياته السلبية على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

لكن الكاتب المغربي، إدريس الكنبوري، اعتبر أنه “من المؤسف أن تنتفض بعض الأحزاب السياسية في وجه والي بنك المغرب بسبب تصريحاته عن غياب الثقة في الأحزاب والانتخابات، حتى الأحزاب التي ليس لها من السياسة سوى الاسم انتفضت”، وأكد الكنبوري أن تصريحات الجواهري هي الحقيقة للأسف، مذكراً بأن الملك سبق أن قال الكلام نفسه في وقت سابق، باعتبار أن تلك هي قناعة المغاربة، مضيفاً، “أعتقد شخصياً أن النموذج التنموي الجديد سيكون مصيره الفشل مع نخبة حزبية تفكر بهذه الطريقة وتنكر الواقع وتهرب إلى الأمام بدل مواجهة الحقيقة”.

تراجع الثقة

ويحمل سياسيون ومراقبون مسؤولية تدني الثقة في الأحزاب إلى هذه الأخيرة نظراً لاعتمادها على توجهات أصبحت متجاوزة، وتؤكد النائبة البرلمانية المغربية، ابتسام عزاوي، أن معطى الثقة ليس بالمعطى الثابت في الزمان والمكان، بل هو متغير بفعل ظروف وعوامل معينة، مشيرة إلى صدور العديد من الدراسات التي سلطت الضوء على خفوت منسوب الثقة تجاه عدد من المؤسسات وتجاه العمل الحزبي والممارسة السياسية بشكل عام، مضيفة، “في نظري يكمن السبب في العديد من العوامل التي تسائل كلها بالأساس طريقة عمل الأحزاب بالنظر إلى خصوصيات البلاد وتطلعات المواطنين الحالية وبخاصة الشباب منهم، على الأحزاب أن تسأل نفسها عن سبب تراجع مستوى ثقة المواطن فيها، التي ترجع ربما إلى ممارسات سياسية لا ترضيه، أو ربما إلى ضعف الديمقراطية والحكم الداخلي لدى بعض الأحزاب، وغياب مسارات واضحة تسمح بانضمام الكفاءات والشباب ضمن النخب السياسية، سواء على مستوى المسؤولية التنظيمية أو داخل الهيئات المنتخبة وعلى رأسها البرلمان”.

وتشدد النائبة البرلمانية على وجوب إدخال تحديث عميق ونوعي على مستوى الخطاب والممارسة السياسيين لدى الأحزاب، بالنظر إلى التطور الذي يعرفه المغرب على غرار بلدان العالم، إذ تغيرت أولويات المواطن، وبالتالي أصبح على رجل السياسة أن ينأى بنفسه عن مجموعة من الممارسات التي لا تتماشى مع أخلاقيات العمل السياسي، معتبرة أنه “إذا كانت المهمة الأساسية للأحزاب هي تأطير المواطن، إلا أن هناك تقصيراً لبعض الأحزاب المغربية في ذلك الاتجاه، وبالتالي، فحضور تلك الأحزاب يجب أن يكون بشكل مستمر وعلى مستوى كل الدوائر الانتخابية، بهدف توجيه المواطن سواء في المستوى الميداني أو على المستوى الافتراضي. يوجد في هذا المجال الأخير قصور كبير في ظل افتقار الأحزاب لاستراتيجيات رقمية تتطلب خبرات وكفاءات غير متوفرة لدى الأحزاب حتى الآن”.

من جانبه، يعتبر رئيس المركز المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، أن “أسباب انعدام الثقة في الأحزاب السياسية عديدة ومركبة، وإن بدأنا من الأحزاب نفسها، نرى أن عدم تجديد النخب وغياب ديمقراطية داخلية واضحة أمور تجعل الشباب المتحزب عازفاً عن الانتماء الحزبي”، معتبراً أن الصورة النمطية التي ترسمها بعض الجهات عن العمل الحزبي تجعل من هذه الأخيرة عبارة عن تنظيمات فارغة من الإبداع والمبادرة وغير جاذبة لجيل جديد من المناضلات والمناضلين.

كما يشير الشفدي إلى أن الخطاب السياسي عند معظم الأحزاب لا يزال كلاسيكياً ولا يأخذ بالاعتبار التحولات الاجتماعية التي تعرفها البلاد، مؤكداً أنه “لا يمكن انتهاج قنوات كلاسيكية باتجاه مواطنين رقميين ينهلون معرفتهم السياسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن السمعة والحضور الرقميين أصبحا عاملين مرجحين للأحزاب السياسية لضمان تواصل فعال مع المغاربة”.

مسؤولية مشتركة

ويتهم بعض المغاربة الأحزاب بالفساد، باعتبارها تنهج ممارسات من قبيل شراء الأصوات خلال الانتخابات، واعتماد المحسوبية في سياستها الداخلية، في حين يقوم آخرون منهم ببيع أصواتهم مقابل مبالغ مالية من أجل التصويت على مرشح معين، وتؤكد عزاوي وجود مسؤولية مشتركة للطرفين، معتبرة أنه على الأحزاب تنظيف بيتها الداخلي وعدم منح التزكية للأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات فساد، ومن جهة أخرى، تشجع النائبة البرلمانية الناخبين، وبالخصوص الشباب منهم، على التصويت في الانتخابات بعد الاطلاع على برامج الأحزاب، وبالتالي منح الفرصة للكفاءات، وتفادي التصويت على مرشحين تأكد خيانتهم الأمانة في وقت سابق.

من جهته، يعتبر الشفدي أن ظاهرة شراء الأصوات تعتمدها بعض الأحزاب ويتحمل مسؤوليتها أيضاً بعض المواطنين، الذين ينخرطون في هذه الممارسة المسيئة إلى العملية الديمقراطية، مضيفاً، “وهنا نتمنى ألا تبقى السلطات العمومية في حيادها السلبي، وعليها أن تضرب بيد من حديد على كل المفسدين الذين يسهمون في تراجع قطار التحول الديمقراطي الذي تريده بلادنا لديمقراطيتنا الناشئة”.

عزوف الشباب

وارتفعت نسبة العزوف عن المشاركة في العمل السياسي في صفوف الشباب إلى حد لا تتعدى نسبة مشاركتهم في الحياة السياسية الواحد في المئة، ويرى الشفدي أنه يمكن إلى حد ما اعتبار عزوف الشباب رد فعل على اهتمام الأحزاب بهم بشكل موسمي خلال الحملات الانتخابية، مضيفاً، “لكن هنا يجب استحضار أن أي تحول عميق في المشاركة السياسية وأي عملية إصلاح جذري لا يمكن أن يتما إلا عبر مشاركة حقيقية للشباب، وهنا أحمل المسؤولية للجمعيات العاملة في المجتمع المدني، وإلى كل الفاعلين السياسيين للمساهمة في تأطير الشباب وتوعيتهم بأدوارهم المحورية في عملية الإصلاح”، مشدداً على أن المشاركة السياسية هي أهم بكثير من المحطات الانتخابية، وبفضل دستور عام  2011 يمكن للمواطنين المساهمة في توسيع مشاركتهم السياسية عبر الديمقراطية التشاركية التي منحت آليات متقدمة للأفراد والجمعيات للمساهمة في التشريع وطنياً ومحلياً.

نوفل الشرقاوي صحافي اندبندنت عربية