لم تتمكن بعد الأحزاب السياسية من كسب ثقة فئة عريضة من المواطنين، خاصة الشباب منهم، فحسب استطلاع أجراه معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية بالمغرب، حول عينة تتكون من 875 فرد من الإناث والذكور الذين يفوق سنهم 18 سنة، مازالت مسألة الثقة تشكل تحديا للأحزاب السياسية في الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021.
المنهج المعتمد في الاستطلاع
اعتمد معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية في جمع البيانات المتعلقة بالاستطلاع على طريقتين؛ الأولى إلكترونية والثانية تقليدية، حاول عبرهما الجواب عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة أساسا بمدى ثقة المواطنين المغاربة بالأحزاب، وقابليتهم على اختيار الحزب السياسي بناء على معيار التدين، فضلا عن تصورهم حول تأثير المال والامتيازات في نتائج الانتخابات.
وفي هذا الإطار، يوضح يونس بنان مدير المعهد، أن الاستطلاع شمل عينة عشوائية من المستجوبين على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، تضم فئات مختلفة من المواطنين يقطنون بمناطق متعددة من التراب الوطني، مشيرا، في تصريح لـ”SNRTnews”، إلى أن هذه الطريقة شكلت 95 في المائة من الفئة المستجوبة.
وأضاف بنان أن الطريقة الثانية تمثلت في ملء استمارات ورقية من طرف بعض المواطنين المختارين أيضا بطريقة عشوائية بالشارع العام، وشكلت نسبة 5 في المائة من مجموع المستجوبين.
وأوضح المتحدث ذاته أن نتائج الطريقتين كانت متطابقة إلى حد كبير، وأظهرت ضرورة بذل الأحزاب السياسية للمزيد من الجهد من أجل إعادة كسب ثقة المواطنين، وخاصة الشباب منهم.
42 في المائة من المستجوبين يتابعون برامج الأحزاب
أظهرت نتائج استطلاع معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية، حرص فئة عريضة من المواطنين على التسجيل في اللوائح الانتخابية، مبرزة أن 77,6 في المائة من العينة المستجوبة مسجلة في هذه اللوائح، فيما بلغت نسبة الأشخاص غير المسجلين 22,4 في المائة.
وأدلى 67 في المائة من المستجوبين بأصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، مقابل 72,9 في المائة منهم لم يسبق لهم التصويت، كما صرح حوالي 5 في المائة أن سنهم لم يكن يسمح بالتصويت.
من جهة أخرى، كشفت أرقام الاستطلاع أن 42,2 في المائة من المستجوبين أكدوا أنهم على دراية تامة ببرامج الأحزاب السياسية وتوجهاتها، بينما أكد 25,3 في المائة منهم أن لهم دراية متوسطة فقط بهذه الأحزاب، وصرح 22,3 في المائة من العينة ذاتها، بتوفرهم على معلومات عن بعض الأحزاب فقط، مقابل تأكيد 10,3 في المائة عدم توفرهم على أي معطيات حول الأحزاب السياسية.
وفي ما يتعلق بمعايير اختيار الحزب السياسي، أكد 84,2 في المائة من العينة المستجوبة أن التدين لا يعتبر معيارا لاختيار الحزب المناسب لتصدر الانتخابات، فيما اعتبر حوالي 11 في المائة من المستجوبين أن التدين معيار أساسي لاختيار الحزب، وامتنع حوالي 5 في المائة من المستجوبين عن تحديد موقف خاص في الموضوع.
وفي هذا الإطار، أوضح مدير معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية، أنه بعد مرور عشر سنوات على ما يسمى بـ”الربيع العربي”، والتي عرفت إقبالا كبيرا على الأحزاب ذات التوجه الديني في مختلف البلدان العربية، كان لابد من إنجاز استطلاع يرصد التغيرات الطارئة على اختيارات المواطنين، ومعرفة آراء الناخبين وتطلعاتهم المستقبلية.
83 في المائة من المستجوبين يتطلعون لتحسين التعليم
تطرق استطلاع معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية، المنجز في الفترة الممتدة من السبت 23 يناير 2021 إلى يوم الجمعة 29 يناير 2021، إلى تطلعات المواطنين من الانتخابات المقبلة، والأولويات التي يجب التركيز عليها في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية.
وأظهرت النتائج أن 83 في المائة من العينة المستجوبة عبرت عن تطلعاتها لتحسين قطاع التعليم بكل مكوناته، فيما عبر 79 في المائة منهم عن رغبتهم في تحسين المنظومة الصحية، مقابل 77,6 في المائة عبروا عن أملهم في تحسين ظروف عيش المواطنين ومحاربة الهشاشة والفقر.
وطالب 74,4 في المائة من المواطنين المستجوبين بخلق فرص جديدة للشغل، في وقت أبدى فيه 68 في المائة منهم تطلعهم إلى تحسين دخل الأسر المغربية، وأزيد من 60 في المائة عبروا عن رغبتهم في تحسين مناخ الحريات العامة وحرية التعبير والرأي.
إدماج مطالب الشباب في البرامج الانتخابية
يرى عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن مسألة ثقة المواطنين وخاصة الشباب في الأحزاب السياسية ترتبط بمدى قدرة هذه الأحزاب على إدماج الشباب في منظومتها التنظيمية.
وأوضح أدمينو، في تصريح لـ”SNRTnews”، أن الدستور المغربي وضع القواعد والمبادئ المتعلقة بانخراط الشباب في الحياة العامة، كما تضمن القانون التنظيمي للأحزاب السياسية مقتضيات تتعلق بتمكين الشباب من الولوج إلى المسؤوليات القيادية داخل الأحزاب السياسية، لكن، يضيف المتحدث ذاته، لم يتم بعد تطبيق هذه المقتضيات بشكل يضمن الانخراط السهل والمرن للشباب في العملية الحزبية.
كما ربط المحلل السياسي عدم الثقة في الأحزاب السياسية، في طريقة تدبيرها للسياسات العمومية واستمرار البطالة والتهميش في صفوف فئة عريضة من الشباب المغاربة، “ما يعيق انخراطهم في محيطهم الاقتصادي والاجتماعي، وتفقد بذلك الأحزاب السياسة مصداقيتها”.
ومن بين أبرز الأسباب المؤدية لنفور الشباب من الأحزاب، يقول أدمينو، استمرار عائق التواصل السياسي عند بعض الأحزاب، مبرزا أن هذا الأمر يختلف من حزب لآخر؛ “إذ مازالت بعض الأحزاب تواجه صعوبة في التواصل مع الشباب رغم توفرها على صفحات رسمية في منصات التواصل الاجتماعي”.
وفي هذا الإطار، أوضح أستاذ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل فضاءات هامة لتواصل الشباب مع الأحزاب دون الحاجة إلى التنقل، إلا أن تفاعل الشباب مع الأنشطة الحزبية الافتراضية مازال ضعيفا، بحسب أدمينو، مشيرا إلى أن نوعية الخطاب المقدم لا تستحضر خصوصيات شباب اليوم بالشكل المطلوب.
وأبرز المتحدث ذاته أن الخطاب السياسي الحزبي يوجه للناخبين بصفة عامة بغض النظر عن فئاتهم الاجتماعية، مشيرا في المقابل إلى اكتفاء بعض الأحزاب بالتركيز على النساء وإدماجهن في العملية السياسية.
ويرى أدمينو أن نفور الشباب من السياسة لا يهدد فقط الأحزاب السياسية، بل أيضا العملية الديمقراطية والمؤسسات برمتها.
ولإعادة كسب ثقة الشباب في الأحزاب السياسية، يشدد المحلل السياسي، على ضرورة تلبية انتظارات الشباب في البرامج الانتخابية المقبلة، “من خلال مختلف التدابير التي تتخذها الأحزاب خاصة المسؤولة عن تدبير الشأن العام، سواء على المستوى الوطني أو الترابي من جهات وجماعات وعمالات وأقاليم، إضافة إلى التفكير في تسويق سياسي جديد، يتناسب مع خصوصية فئة الشباب”.
وئام فراج SNRT NEWS