من الصراع والمواجهة إلى الاحتجاج.. دراسة ترصد تطور العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني
رصدت دراسة أعدها الباحث هشام العقراوي لمعهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية بالمغرب، مرور العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني بأربع محطات أساسية؛ انطلقت بالصراع والمواجهة بعد الاستقلال، ثم مرحلة المنافسة، فمرحلة الاحتواء، ووصلت اليوم إلى مرحلة تحول فيها المجتمع المدني نحو الفعل الاحتجاجي.
وأشارت الدراسة إلى أن نشوء المجتمع المدني في أحضان الأحزاب السياسية بعد الاستقلال، خلال فترة اتسمت بالاصطدام والتوتر بين الفاعلين السياسيين، جعلته في علاقة صدام مع الدولة، تنوعت خلالها آليات ضبط الدولة للمجتمع المدني، عبر فرض شروط ومراقبة السلطة، وإصدار قرارات المنع والعقوبات، ووقف التمويل، وسحب الترخيص ومحاولة التفتيت من الداخل وغيرها.
وسرعان ما ستتحول العلاقة بين الطرفين إلى منافسة، حيث اكتسحت الدولة ميادين اشتغال المجتمع المدني، ما أفضى إلى “دولنة المجتمع المدني” بتأسيس الدولة تنظيمات اجتماعية.
فبعد انتهاء مرحلة الثمانينيات انتبهت السلطة إلى أهمية وضرورة تواجد المجتمع المدني في الفضاء العام، لتخفيف العبء عنها، وخلقت مجموعة من الجمعيات، وأمدتها بجميع الإمكانيات، قصد منافسة جمعيات المجتمع المدني النشيطة والمستقلة.
وخلال فترة التسعينيات مرت العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني إلى مرحلة ثالثة كان عنوانها العريض هو إعادة الاحتواء والتوظيف، فبعد أن عجزت الدولة عن منافسة المجتمع المدني بشكل كبير، اتجهت صوب احتوائه وإعادة توظيفه داخل المجتمع، وأصبح الحديث عن إشراكه في إعداد وتنفيذ البرامج الحكومية، وتدبير المرافق، وأصبح شريكا في برامج التنمية.
وهذا الانفتاح، حسب الدراسة، ليس انعكاسا لإيمان الدولة بأهمية وقدرات المجتمع المدني على المساهمة في تدبير الشأن العام، بل تم في سياق عجز الدولة عن التصدي للمشاكل الكبرى بعد مرحلة الثمانينيات، فأشركت المجتمع المدني بهدف امتصاص الغضب الشعبي من اختيارات الدولة.
كما جاء الانفتاح الاضطراري للدولة على المجتمع المدني بعد بروز اتجاه لدى الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية، يفضل التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني المستقلة عن الدولة.
وتوقفت الدراسة على تحول الفعل المدني نحو الفعل الاحتجاجي، فقد أبانت الاحتجاجات التي عرفها المغرب بعد 2011 عن حضور قوي للجمعيات الحقوقية، بداية من دعم حركة 20 فبراير، مرورا بأحداث الريف وجرادة.
ورغم ذلك، سجلت الدراسة عدم قدرة الفاعل الجمعوي على المشاركة الفعالة في تدبير التوترات الاجتماعية التي عرفها المغرب بعد 2011، وهو ما يجد تفسيره في هيمنة الدولة على الحقل الجمعوي من خلال الجمعيات التي تعمل لصالحها، ما أفضى إلى أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات الوسيطة.